السبت، 19 يوليو 2008

رجل و سيد الرجال

في شهر مارس و قبل عيد الأم بثلاثة أيام شددت على يد خالد واستعملت الطبقة الخشنة من صوتي حتى يبدو عميقا ورجوليا أكثر وقلت " البقية في حياتك ..شد حيلك " .واقف خالد أمامي و عيونه محمرة من كثرة البكاء على أمه ، شاربه أسود ضخم ،عظام فكيه العريضة و وسامة يمتلئ بها وجهه . بجواره يقف عم رشدي أقصر من خالد وأطول منى و وجهه خال من التعبير ويملك عيني قط عجوز لئيم. كنت ساعتها أعرف أن خالد يحب أختي الكبرى حنانفي شهر يناير توقف رمزي النطع أمامى بدراجته البخارية. النطع لم يكن لقب رمزي ولكنه شهرته في الحي. توقف رمزي أمامي ونظر إلى بسخرية ثم قال لي "أنت مش راجل يا وله " جرى الدم في رأسي وفى أقل من خمس ثوان كنت قد سحبت مطوتى القرن غزال من الشراب وفتحتها وقفزت خلف رمزي على دراجته ووضعت المطواة في عنقه وقلت له " قول تانى كده يا روح أمك " لم يستطع رمزي أن يقول شيئا و أعتقد أنه توقف عن التنفس تماما قلت له بصوت أكثر هدوءا ومحمل بالغضب البارد والكراهية "متقول تانى كده يا ابن ..." واصفا أمه بنعت مهين , تمالك رمزي نفسه وقال " خالد ماشى مع حنان أختك و أنا لسه شايفهم ماشيين في الجنينه وشبكين إديهم في إيدين بعض " تركت سن المطواة يصنع خطا رفيعا في رقبته أعرف أنه لن يقتله ولكنى أعرف أن هذه العلامه ستبقى لوقت طويل,ولم أنتظر تفجر الدم بل قفزت من خلفه وصعدت إلى بيتنا وتركته يولول كطفلة صغيره . صعدت السلام قفزا وقفت أمام أمي التي سألتنى حينما رأتني سألت بهدوء العارفين "إيه اللى حصل يا سان " قلت وأنا الهث " خالد ماشى مع بنتك حنان" أشرت لي أن أجلس .. هززت رأسي رافضا قالت "أقعد عشان تفهم " جلست والأدرينالين يجعل الدم يطن في أذني قالت " خالد وحنان بيحبو بعض وحنان قيلالى على كل حاجه" صرخت وأنا أقف " يعنى إيه؟؟" ارتفعت يد أمي لتهبط على وجهي .. فجأة ذهب كل الأدرينالين من دمى و وجدت نفسي طفلا صغيرا تلمع الدموع في عينيه جذبتني أمي إلى حضنها. ربتت على رأسي . همست في أذني" أنا وخالتك عيشه أم خالد متفقين على كل حاجه . خالد حيخطب حنان في شهر سبعه .في شهر مارس قبل عيد الأم بستة أيام أغلقت خالتي عيشه على نفسها الحمام وسكبت على نفسها الجاز وأشعلت النار. بعدها بيومين توفيت في مستشفى المواساة .ولم يعرف أحد أبدا لماذا فعلت خالتي عيشه ذلك حتى أمي صديقتها الصدوق والعالمة بكل أسرار المنطقة رجالا ونساءا.الرابع عشر من إبريل كنت وقفا قبل الفجر في البلكونه أدخن سيجارة بعيدا عن أنف أبى ويده التي لازلت أخشاها حينما سمعت صوت خالد في غرفته يصرخ " أنت مش بنى أدم ما عندكش قلب " .قبل أن أنهى سيجارتي التي دخنتها بتلذذ نزل خالد إلى الشارع يرتدى شوالا على جسده العار و أسند ظهره على الحائط يبكى وجسده يهتز .نزلت إلى خالد جريا وسحبته من يده وأدخلته إلى غرفتي محاذرا أن يسمع أحد صوت فتح أو غلق الأبواب خاصة أبى .من المعلومات المتداولة في حينا أن عم رشدي الشايب هو مدرس محترم سافر إلى الخليج وأنه ميسور الحال وحينما يتكلم يأتي كلامه دائما مدعما بالقرآن و الأحاديث النبوية .وأنه رجلا في حاله لا يحب الاختلاط ، بل يكرهه .وجوده في بيته معناه أن لا تخرج خالتي عيشه وأن لا يزورها أحد. وإذا تصادف واحتاجتها أمي أو غيرها في أمر طارئ. يجيب عم رشدي من خلف الباب بتحقيق طويل ثم يختم كلامه بأن "مفيش حد هنا" . أي كان هذا الزائر وأي كان مبرر الزيارة. كنا نتعامل في المنطقة مع الأمر على أن الرجل حر في بيته.منذ خمس أعوام تقريبا تصادف أن كنت واقفا على ناصية الشارع وكانت خالتي عيشه تقف عند الجزار تشترى لحما.عم محجوب رجل مشهور بسرعة خاطرته وقدرته على صنع البسمة على وجوه زبائنه من الرجال و النساء بكلامه الظريف.كانت خالتي عيشه تبتسم وتدارى وجهها الأبيض الجميل في خجل برئ بينما الضحكة الطويلة لخالتي زينات ترن في المنطقة كلها وزوجها وقف بجورها غارقا في الضحك هو الأخر .امتدت يد عم رشدي لتسحب يد خالتي عيشه بقوة, مخرجا إياها من المحل ..كان وجهها مصفرا , أقسم أن جسدها كان يرتعد كجسد طفل فتح فوق رأسه الماء البارد في شهر ديسمبر . كان عم رشدي يجرها من يدها حينما أسرع خلفه عم محجوب الجزار وأستوقفه وناوله كيلو اللحم الذى دفعت ثمنه خالتي عيشه وقال له" ماحصلش حاجه يا أستاذ رشدي .أنا بحب الاغى زباينى واللى كانت بتضحك هى الحاجه زينات وجوزها كان واقف جنبها " لم يجب عم رشدي وتناول منه اللحم و إبتسم إبتسامة عصبيه صفراء وتابع سيره جارا خالتى عيشه وعيونها تستغيث بكل من تراه ولكن بلا صوت وبمنتهى الاستسلام ليد عم رشدي .عند باب بيته دفعها تجاه المدخل وأقسم أنه ضربها شلوتا قذف بها إلى الداخل والقى بلفة اللحم في الشارع . حملت لفة اللحم إلى أمي التي وضعتها في الفريزر وهى تقول "عينى عليك يا عيشه يا أختى ربنا يصبرك على ما بلاك."بعدها لم تخرج خالتي عيشه إلى الطريق مرة أخرى قط الا قبل عيد إلام بثلاثة أيام حينما خرجت محمولة في سيارة الإسعاف إلى المستشفى ولم تعد إلى بيتها قط.من بين دموع خالد التي تخرج من عينه وانفه وهو جالس في غرفتي عرفت أن أباه قد طرده من المنزل وانه أصر أن يخلع خالد كل ملابسه التي أشتراها له حتى الملابس الداخلية ولم يجد خالد سوى جولا ليستر عورته .كان كيان خالد الرجولي الضخم ينتفض من البكاء كطفل صغير و لا يثير سوى الشفقة , كنت أتأمل مندهشا التناقض بين حالته الطفولية و رجولته التي كانت مثار اهتمام من في سني ، كنا كلنا نتمنى شاربا كثيفا ضخما كشاربه. أخرجت له طقم داخليا من دولاب ملابسي وقميص وبنطلون انحشر فيهما و أفهمته بأنني لا أستطيع استضافته لأن أبى و أمي لن يوافقا على إقامته معنا لأن البيت فيه بنت في سن الزواج ، طلب أن أسلم على حنان وأن أخبرها بأنه سيعود ولكن لم يعلم متى مرت ثلاثة أعوام ولم يعد خالد ولم يتقدم أحد لخطبة حنان وفى الحادي عشر من شهر يونيو كانت حنان تجلس في البلكونه وتصدر ضحكات خفيفة . لم تكن تراني ولكن من الواضح أن هناك أحد يشير لها وهى تهز كتفها وتضحك كانت تنظر إلى ناحية بلكونة خالد . أسرعت إلى البلكونه لأحيى خالد , فوجئت بعم رشدي في البلكونه يقف في البلكونه مرتديا فانيلا حملات والشعر الأبيض يظهر في صدره ويشير إلى حنان نظرت إليها ونظرت إليه والدم ينفع في رأسي. جرت حنان إلى الداخل بصقت على عم رشدي و دخلت .كانت حنان تختبئ خلف أمي التي تشرب القهوة مع أبى في الصالة .كنت اصرخ في حنان وأشتمها . كان أبى يقف بجسده بيني وبينها محاولا الفهم حينما رن جرس الباب لنفاجأ جميعا بعم رشدي يبتسم في لزاجة قائلا" انا جاى أطلب أيد حنان" ونفاجأ أكثر حينما توافق حنان وتصر عشر سنوات مرت دخلت أختي حنان مستشفى الأمراض العقلية ثلاث مرات بسبب الإكتئاب الشديد وتكرار محاولات الانتحار وظهر خالد ، صار يلعب الكره بين السيارات المارة يوميا في ميدان سموحه مرتديا فقط ما يستر عورته غير مبال بالسيارات التي اعتدت على وجوده وصارت تتفاداه .وخرجت من سجن الحضره بعد أن قضيت ست سنوات بعد ذبحي لعم رشدي أمام محل عم محجوب الجزار . كنت قد وقـفت على جثته منتظرا حضور البوليس بهدوء وأنا موقن أنني لم أخطئ .

حسان دهشان14/6/2008

هناك تعليقان (2):

د.محمد ربيع هاشم يقول...

الأديب المدهش حسان

قصتك تتلون وتغير جلدها أكثر من مرة ، تجتذب تعاطفا مذهلا مع متلقيها ، أعجبني فيها بشدة البعد السيكولوجي وتداوله بين شخوص القصة ، كل شخص في القصة له تفكيره وعالمه الدقيق جدا بمنتهى التمكن تنقلت سيكولوجيا بين هذه النفوس المختلفة بخبرة كتابية مدهشة ولم أشعر بالفرق ، حتى السارد وقد فوجئنا به في نهاية القصة قاتلا بشعا لكنه بقدر ما كان ممتلكا لأدوات البلطجة من مطواة وثورة وغليان في العروق لكنه اجتذب أيضا تعاطفا كبيرا هو تجسيد لعالم متوارث من الأزمات المتعاقبة ، والتصرفات التي تجمع أحبانا بين الاتزان والنزق
لم أقتنع فقط بمجاراة حنان لوالد خالد ولا أدري سببا لوجودها ربما كانت مبررا لقتل رشدي ، ولكن كان من الممكن أن تستغل حالة الانفلات والضياع لحنان وخالد بشكل أكثر إيلاما من هذا ، كان من الممكن أن يظهر ولو افتراضا جانبا إيجابيا بينهما حتى ولو لم يقصده الواقع
لغتك السردية وتنقلاتك المشهدية مبهرة فعلا ، ولا أملك إلا شكرك الجزيل على ما حققته لي من متعة تلقي قصة بروعة ما قرأت

Unknown يقول...

أستاذ حسان
:)
لما كنت بشوف تعليقاتك على مدونتي..
كنت مفكرة ان دة حد تاني يعني مش حضرتك :)
القصة حلوة طبعاً.. و قرأتها مرتين كدة :)
و حضرتك عارف رأيي فيها مسبقاً.. :)
معلش دي اول زيارة لمدونتك
و هاستنى حضرتك تعملها تحديث بأي بوست جديد :)
تحية و سلام :)